المقدمة
الآن وقد عهد الشعر إلينا بكل جديد، يبعث خلال ثقافتنا المتعولمة شيئاً من الدهشة التي نحب أن تداعبنا في كل الأعمال الأدبية والفنية في عصرنا الحديث..، تأتي الكتابات الجديدة لتعلن عن تطور الخطاب الشعري والتباسه مع أقنعة وقناعات متباينة. وهذا ما عمدت إليه سياسة التثقيف العالمية من خلال دعم فكرة العولمة والمشاركات المجتمعية وتداخل الثقافات والفنون والآداب. وهنا تعلو أصوات مكتظة بكل ما تحويه خلجات النفس التي – مع مسحات الحرية الشاسعة – تكاد تكون حبيسة العقل الإنساني الذي دوماَ يعادي ما يجهل.
مثل هذه النزعات النفسية يكشف عنها شاعر العامية المصرية أسامة هلال عجور في ديوانه الثاني " حق الصوت " بعد أن كان قد أصدر الديوان الأول " مخلوع في زمن الحب "..، حيث يثبت الشاعر تمسكه بحق صوته مع أنه مخلوع في زمن يشتغل الحب ويلهو به. وهذا ما نتلمسه مع كل حرف تنطق به قصائده. يستوي في ذلك القصيدة الرمزية والزجلية وحتى الرومانسية. فنرى في بعض تراكيبه الشعرية ما يفضح مكنون نفسه كصوت حر يرفض الكبت.
من هذه التراكيب الشعرية:
تاكل في أرض الجبل / مش لاقي جد دفاع ... / لأرض لسه مشاع / واتحالف الأتباع / ساعتها سد ودانك / تخشى الزئير أسماع / تدفع لحق الصوت / على الأثير تنذاع / لازم تحل بخوف / تتمنى ألف وداع
ثم تنتشر تلك الإيحاءات في كثير من قصائد الديوان التي تحفل بالعديد من الرموز والإسقاطات التي اعتمد عليها الشاعر في بناء قصائده ..، خاصة بعدما تواصل مع عدد من المبدعين وانصهر في كيان شعراء مجددين التزموا بما جَهِله الآخرون، فكانت القاعدة التي انطلقوا منها هي : " خذ ما شئت ولكن التزم به "، ونجحوا في اختراق الأزمنة والمسافات وذلك بالصورة الفاعلة وابتكار أجناس أدبية جديدة ومنها " القصة الشاعرة " التي أصبحت مذهباً تنهل منه كل الفنون مع اختلاف تقنيات التشكيل لكل فن بذاته، ومن هنا صعدت كلماتهم كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
كما يحسب للشاعر تمسكه بالجماعة الأدبية التي تحقق الهوية الراسخة للروح الشاعرة، بالإضافة إلى تماسه مع تقنيات فنية تميزت بها هذه الجماعة ورسمت له ولها وجهاً أبيض له من النور ما هو أهل له.
هذا من حيث الفكرة والموضوع، أما من حيث الشكل والبناء، فقد اعتمد الشاعر على الشكل العامودي بواجهة تفعيلية يستسيغها القارئ الحديث، وهذا الشكل ساد معظم قصائد الديوان التي اعتبرتها نفساً شعرياً متواصلاً يتخلله فواصل تسمح بالتقاط الأنفاس لمسايرة الفيض الغامر من الأفكار والدلالات.
ومما أراه إضافة لهذه المجموعة الشعرية المتميزة، كون قصائدها قائمة على ثلاثة أوزان متشابهة متباينة، ساعدت على استمرار النفس الشعري بشكل منتظم. هذه الأوزان الشكلية هي ( مستفعل فاعلن – مستفعل فعول – فعلن ). هذه الأوزان رسمت صورة كلية في أذن القارئ أخذته إلى عوالم عاشها الشاعر عامداً فقرر أن يمنحها لنا فرصة.
ونحن هنا نسعد أيها القارئ بتقديم هذه المجموعة الشعرية " حق الصوت " للشاعر أسامة هلال عجور التي من المؤكد أنها إضافة متميزة لشعر العامية المصرية وللشعر المصري بشكل عام.
ــــــــــ
أحمد السرساوي
عضو اتحاد كتاب مصر